الصحفي صبري .. رحلة عذاب واجهها بكلمة الحق التي لا تلين

الصحفي صبري .. رحلة عذاب واجهها بكلمة الحق التي لا تلين


كتب : جمال عبد الله
قصتي مع مصطفى صبري ليست كباقي قصصي وحكاياتي عن أبطال حماس في الضفة الغربية ، فمنذ فترة وأنا أريد الحديث عنه ولكن خوفي من إلحاق الأذى به هو الذي منعني ولكن يوم أمس قررت الكتابة عن فارس الكلمة وصاحب مهنة المتاعب أبو خبيب.

أبو خبيب والذي جمعتني به سود الليالي في سجون الاحتلال فأنارها بحسه الفكاهي وضحكاته التي تخفف الآلام عن الأسرى في السجون وقصصه عن الرجال والرعيل الأول من أبطال الإخوان ورجالات الحماس فمصطفى صبري ذاكرة متنقلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى

قررت الكتابة عن أبو خبيب بعد أن علمت أن الأجهزة الأمنية المستبدة بالضفة الغربية ترفض الإفراج عنه بالرغم من قرار ما يسمى بمحكمة العدل العليا التي لا تستطيع تنفيذ قراراتها، واسأل الله أن لا يتعرض هذا النشمي للأذى بعد ما سأكتب عنه من شهادتي أنا جمال عبد الله الذي أخذت على عاتقي فضح اللئام بعقر دارهم وإظهار وجههم الأسود بعد ما أذاقونا صنوف العذاب وألوان الإهانة.

قبل أشهر ليست بالطويلة وفي أحد الليالي التي شهدت ظلم وقسوة بني جلدتنا علينا في سجن بيتونيا وبعد أحداث قلقيلية تم إحضار مصطفى صبري إلى بيتونيا بعد نقله من سجن قلقيلية، لا أخفيكم أني للحظة الأولى شعرت بنوع من الطمأنينة لما شاهدت الرجل يدخل إلى ساحة الشبح فالرجل في مثل هذه الحالات يشعر بالأنس لوجود أناس يعرفهم يقاسمونها الشتائم والجلد والشبح والأذى، تشعر انك لست لوحدك وأن حالك هو حال أبناء تنظيمك فعدلت وقفتي التي مضى علي حينها أكثر من أربعة أيام دون السماح لي بالجلوس وتنحنحت بصوت عالٍ وناديت العسكري باسمه وطلبت منه أن اذهب لدورة المياه محاولا بذلك تطمين أخي أبو خبيب الذي استطعت أن أراه من خلال ثقب صنعته بأسناني في الكيس النتن الذي لازمني طوال ثلاثة شهور هي مدة التحقيق الذي استمر معي في هذا الاعتقال.

فقال لي العسكري " اصمت عبين ما اعلق (الذبيحة) " في إشارة لمصطفى صبري الذي رد عليه وقال له تحدث عني بأدب ، فرد العسكري " أصلع ونمرود وبتجاوب وبدك اتعلمنا الأدب والله لأعلقك " وشد وثاق أبو خبيب على الباب رقم 3 في سجن بيتونيا ورفعه من يديه المربوطتين للخلف حتى أصبح مصطفى صبري يقف على إصبعيه.


كانت ليلة خميس واغلب الضباط في بيوتهم وصراخ أبو خبيب لم يكن يسمعه أحد إلا أنا وحوالي 30 أسيرا كنا معلقين على الأعمدة والأبواب.

بعد أن صمت الجميع ناديت أبو خبيب وقلت له كيف حالك وما أخبارك قال لي انه معتقل منذ شهرين وانه تم إحضاره إلى بيتونيا من اجل أن يربوه، فقلت له ممازحاً وهو أستاذ بالمزح والنكات( مو عيب رجل كبير مثلك عمره أكثر من 45 مو مربى لليوم)، قال بعين الله طول الطريق من قلقيلية إلى هنا وأنا اشتم وأهان وانسب، قلت له بسيطة يا اخي احتسب ذلك عند الله فقال لي سأحتسب لأن الناس في مدينتي انتخبتني واختارتني لتمثيلها في البلدية ويريدون أن أقدم استقالتي وأنا ارفض.

مرت الليلتان بطولهما وعرضهما وقسوتهما علينا كأنه الدهر بأكمله ومما زاد مشاعر القلق عند أبو خبيب أني قلت له إنني مشبوح من شهرين بلياليهم ومحروم من زيارة أهلي، اقشعر بدنه وقال لي: شهرين على هذا الحال؟ قلت له ياريت على هذا الحال أنا اليوم واقف ومربوط بالباب وهذا وضع مريح لي بالنسبة لما سبق أن عانيت.

كنت أتخاطب معه بالذكر وهذه هي اللغة التي كنا نتحدث بها معشر المشبوحين في ليالي بيتونيا عند الأمن الوقائي، كنا نسلي بعضنا بأن يقول المجاهد منا مثلا: لا حول ولا قوة إلا بالله ،فيرد عليه الأخ الآخر حسبي الله ونعم الوكيل وآخر الله المستعان و يارب أنت لها ولكل كرب، وهكذا فكان يرد علينا عسكري الحراسة الم نقل لكم أن تسكتوا وان الله (جل في علاه) محجوز في درج مكتب المحقق؟! فتقشعر أبدان الموحدين ويلهج الجميع بالاستغفار ويطلب من العسكري أن يضع أغنية (علي الكوفية ولولح فيها) آه من هذه الأغنية كم اكرهها وكم يكرهها المعذبون من أبناء حماس حيث كانت مقررة لنا طوال الوقت.

المهم وبالعودة لأبي خبيب والحديث عن مصطفى صبري أتى يوم السبت وحضر الضباط، وجدوا أبو خبيب وقد خارت قواه من قله النوم والتعب وما أن سئل الرجل عن اسمه حتى انهال عليه المحقق وهو اقصر منه بالضرب على قفاه وقال له( أنت صحفي وابتشتغل مع صابرون وعضو مجلس بلدي وأنا بدي أربيك واكسر أيدك مشان ما تعرف تكتب بحياتك كلمة) قال له أبو خبيب (بسيطة لن نعدم الوسيلة) فرد عليه الضابط (وكمان وقح ) قال له اسمع يا هذا (أنا انتخبت من قبل كل أهالي قلقيلية والأصوات التي جمعتها أكثر بكثير من طولك وعمرك ووزنك اعرف مع مين ابتحكي) ثم أخذ أبو خبيب لأعلى وما هي إلا دقائق حتى بدا أبو خبيب يكبر وبدا القوم يضربون به ويشتمونه ويشتمون الذات الإلهية وهو يدافع عن حمى رب العالمين ويقول لهم يا مجرمين يا قتلة، قالوا له سنجعل منك ومن السمان عبرة ونتحداكم أن تحصلوا على مقعد واحد في بلديه قلقيلية

لم يكن أبو خبيب طوال ثلاثة شهور شبح وضرب فيها بالمقاتل السهل كان يتحداهم ويعاندهم ويقول لهم نحن معشر حماس نستعصي على الكسر والإذلال نحن أصحاب نفوس عزيزة وهمم عالية

أبو خبيب مصطفى صبري المختطف لديهم الآن للمرة الرابعة والمقال من بلديه قلقيلية متواجد بزنزانة لا فراش فيها ولا أغطية يلتحف الأرض ، يهان ويشتم ومع كل ذلك صابر محتسب متوكل يعلم انه درب الرجال وحال الأبطال وأن النصر مع الصبر وأنها مرحلة ما قبل التمكين

لأبي خبيب وإخوانه الأبطال من رجال قلقيلية والذين سأفرد عنهم صفحات وكلاما كثيرا لأنهم اسود هذه المرحلة بحق وحقيقة أقول هي الحرب يا رجال التي نقاد لها رغما عنا نرفع شعار الصبر وتحمل الأذى حتى يأذن الله بنصره

لكم يا رجال وبكم يا أبطال ترتفع الهامات ونتعلم الصمود والصبر والإباء.


.............................................